التهدئة هشة والثقة في تضاؤل .. هل كان التوتر بين طرفي صنعاء حول مهرجان السبعين أم أن وراء الأكمة ما وراءها..؟
يمنات
فايز الأشول
يخوض طرفا تحالف صنعاء مقامرة خطرة ومناوشات على حافة الهاوية، غير مكترثين لدويّ مدافع «التحالف» و«الشرعية» التي تطرق البوابة الشرقية للعاصمة، ولا لفزع السكان في صنعاء الذين يحبسون أنفاسهم كلما سمعوا أصوات الرصاص ولو في حفل زفاف بجوارهم، ويجفلون من الخوف مع أطفالهم على الأرض كلما شاهدوا تقارب «شاص» وطقم مسلح.
إتفاقات ولجان تهدئة ووساطات بين الطرفين تتخللها اختراقات وسقوط ضحايا وتبادل للإتهامات وتعزيز لـ«المتارس» في البنايات السكنية بمدينة تكتظ بأكثر من 2 مليون نسمة، لتغدوا صنعاء شبه مقسمة إلى شمال تحكم «أنصار الله» السيطرة عليه، وجنوب لا يزال تحت نفوذ علي عبد الله صالح، بحاضنة قبلية ومعسكرات لا يزال منتسبوها موالين له، وبينهما يقف المجلس السياسي برئاسة صالح الصماد الذي يتمرد الطرفان كثيراً على قرارته، وتتسلل الضربات من الجانبين من تحت قبضته المرتخية.
معسكرات صالح
إنفض ميدان السبعين ظهر الخميس الفائت من أنصار صالح وخرج مسلحو «أنصار الله» عصراً من شارع «الرسول الأعظم» بـ 300 طقم وسيارة محملة بالرشاشات الثقيلة لتشق طريقها إلى ميدان السبعين، باعثة رسالة بأن «القوة معنا». فهل كان التوتر بين الطرفين حول مهرجان السبعين أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
مصادر موثوقة قالت لـ«العربي» إن قيادة «أنصار الله» لا تزال متشككة من نوايا الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ومصداقيته في تحالفه معها، موضحة بأن صالح كان يعتزم إلقاء خطاب ناري في مهرجان الخميس في السبعين يهاجم فيه «أنصار الله» ولم يتراجع عن ذلك إلا بضغوط من حليف خارجي للطرفين، هو الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.
وأضافت المصادر أن صالح رفض تولي القوات الأمنية التابعة لحكومة الإنقاذ حماية مهرجان السبعين، بل أخرج قوات كبيرة موالية له من عدة معسكرات في جنوب صنعاء، الأمر الذي أثار فزع «أنصار الله» التي عقدت العزم على تجريده من تلك القوة وإخضاع المعسكرات التي لا تزال تحت نفوذه لإمرة «المجلس السياسي»، تحسباً لتطورات مستقبلية.
في المقابل، صرحت شخصية مقربة من صالح لـ«العربي» بالقول: «الزعيم لا يحتفظ بما تبقى له من قوة لمواجهة أنصار الله، ولكنه يخشى على نفسه من كل خصومه وحتى حلفائه بصنعاء».
حادثة المصباحي
مساء السبت الفائت، خسر صالح واحداً من أقرب المقربين إليه. ضابط رفيع في القوات الخاصة ونائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية لحزب «المؤتمر»، العقيد خالد الرضي، الذي قتل مع 3 من «أنصار الله» في نقطة تفتيش تابعة للحركة بمنطقة حدة في صنعاء. وبشأن أسباب وتفاصيل الحادثة، قدمت «أنصارالله» رواية مفادها أن سيارتين نوع صالون بزجاجات عاكسة كانت تقل مسلحين رفضوا التوقف في النقطة للتفتيش، وبعد إطلاق رصاصات في الهواء توقفتا على بعد أمتار منها، وبعدها طلب أفراد النقطة نزول من في السيارتين للتفتيش فغادرت السيارة الأولى ونزل من الثانية من فيها، وكان بينهم العقيد خالد الرضي الذي طالبه أفراد النقطة بإرجاع السيارة الأولى، فأبلغهم أن بداخلها صلاح نجل الرئيس السابق، إلا أن أفراد النقطة أصروا على رجوع السيارة التي تقله، ليتطور الأمر إلى ملاسنة كلامية واشتباكات قتل فيها العقيد الرضي و3 من أفراد النقطة التابعة للحركة.
«تعبئة خاطئة»
في المقابل، أرجع السكرتير الصحافي للرئيس السابق، نبيل الصوفي، حادثة جولة المصباحي إلى التعبئة التي أحاطت بمهرجان السبعين. وروى تفاصيل الحادثة بالقول: «رفض أفراد النقطة التابعة لأنصار الله السماح بمرور صلاح علي عبد الله صالح، وعدد من أولاد أعمامه وأصحابهم ومرافقهيم، كانوا في سيارتين، رغم أن مرافقيه عرضوا بطائقهم العسكرية والمدنية».
ولفت إلى أن استفزازات مسلحي «أنصار الله» قد سبقت الحادثة خلال يومين بمخاطبتهم لكل حامل لبطاقة عسكرية بقولهم: «ما جالسين في صنعاء تفعلوا… يلاه الجبهات».
ومضى الصوفي في روايته: «بعدها قال لهم المرافقون إنهم مرافقون لأولاد الزعيم، ظناً أن ذكر اسمه للنقطة سيساعد في تهدئة التوتر، ولكن ما حدث هو العكس… حيث قال لهم أفراد النقطة: وابن الزعيم يسير صرواح. وتصاعد النقاش، وفيما كان صلاح ومرافقوه يوقفون سيارتهم على جنب، ارتفعت الأصوات، وكل طرف طلب إمداد رفاقه. ورغم كل الجهود التي بذلت لتجاوز التعقيدات، فقد كان واضحاً أن النقطة تصرفت مستسهلة ما تفعله، وبعدها تداعى الرصاص من بنادق الطرفين».
واستدرك سكرتير صالح بالقول: «لم يكن هناك قرار أمني لدى أفراد النقطة، بل تعبئة خاطئة تأثر بها شبابها».
وكشف الصوفي عن تواصل تم بين علي عبد الله صالح وعبد الملك الحوثي، وأن كلاً منهما كلف شخصية من طرفه لاحتواء الحادثة والتوتر، وبإشراف من رئيس المجلس السياسي، صالح الصماد. واستطرد الصوفي بأن لجنة أمنية من وزارة الداخلية قدمت تقريرها الأولي وطالبت فيه بسيطرة أمنية للدولة على كل نقاط الأطراف، أكانت نقاطاً تتبع «أنصار الله» أو تتبع «المؤتمر».
توسع الشرخ
خلفت التوترات والأحداث الأخيرة شرخاً عميقاً بين «المؤتمر» و«أنصار الله»، ورغم الهدوء الحذر في صنعاء فإن شكوك «أنصار الله» في صالح تتصاعد مع كل غزل له من قبل ناشطي خصومهما، وفي مقدمتهم «حزب الإصلاح».
كما يتحسس صالح رأسه كلما نصبت «أنصار الله» نقطة تفتيش أو «مترس» في الأحياء الجنوبية بصنعاء. مصادر موثوقة كشفت لـ«العربي» عن إصرار قيادة الحركة على السيطرة على كافة المعسكرات التي لا تزال موالية لصالح، واستكمال إحكام قبضتها على صنعاء، مضيفة بأن أكثر من 400 طقم مسلح محملة بمئات المقاتلين دفعت بها «أنصار الله» خلال الأسبوع الماضي من صعدة وعمران إلى صنعاء، وباشرت هذه القوة الانتشار في النصف الشمالي بصنعاء ومحيطها من الشرق والغرب.
في المقابل، توافد اليوم عشرات من زعماء عشائر قبيلة حاشد التي ينتمي إليها صالح إلى منزل القتيل خالد الرضي، والأخير من القبيلة نفسها. وأفادت مصادر لـ«العربي» بإجماع مشائخ القبيلة على التخلي عن «أنصار الله» وحث أبنائها على الإنسحاب من صف الحركة.
«إنحراف» البوصلة
أولى تداعيات الخلاف بين طرفي تحالف صنعاء كان حرف بوصلة التحشيد من رفد جبهات القتال على امتداد الدائرة المحيطة بالطرفين إلى التحشيد صوب العاصمة صنعاء، لتدخل القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي اليوم إلى مدينة ميدي، بعد فشل عشرات الزحوفات التي نفذتها خلال أكثر من عام. كذلك تتواصل تعزيزات «التحالف» و«الشرعية» إلى نهم وصراح والجوف والمخا. في وقت يواصل فيه المجلس السياسي في صنعاء برئاسة صالح الصماد تأدية دور «المفارع» والوسيط المخذول من الطرفين، بدلاً من إخضاع قوتهما لإمرته. وإذا استمر الحال كذلك فإن مراقبين لم يستبعدوا أن «يرفع الرئيس هادي العلم فوق مران… وكذا فوق سنحان»!
المصدر: العربي